نساء العالم يتحركن لإنقاذ الإيرانية زهراء طبري من الإعدام
نساء العالم يتحركن لإنقاذ الإيرانية زهراء طبري من الإعدام
في زنزانة باردة داخل أحد السجون الإيرانية، تنتظر زهراء طبري مصيرا يثير قلقا عالميا متصاعدا، فقد تحولت حياة امرأة في السابعة والستين من عمرها، في لحظة إلى معركة من أجل البقاء، فقط لأنها رفعت لافتة تحمل شعارا أصبح عنوانا لنضال النساء من أجل الحرية، و اليوم، يقف اسمها في قلب تحرك دولي واسع يطالب بوقف تنفيذ حكم الإعدام الصادر بحقها، وسط مخاوف حقيقية من أن يتحول هذا الحكم إلى واقع في أي لحظة.
أكثر من 400 شخصية نسائية من مختلف أنحاء العالم اجتمعن على موقف واحد عبر رسالة مشتركة حملت نبرة قلق عميق وغضب إنساني بحسب ما ذكرته وكالة أنباء المرأة الأربعاء، فقد وقعت ناشطات وسياسيات وقاضيات وأكاديميات الرسالة تعبيرا عن رفضهن لحكم الإعدام الصادر بحق زهراء طبري، مؤكدات أن قضيتها تختصر معاناة النساء في إيران، حيث يمكن لفعل رمزي سلمي أن يقود إلى أقسى العقوبات.
الرسالة، التي أعدتها جمعية مقرها لندن تُعرف باسم العدالة لضحايا مجزرة 1988 في إيران، لم تكن مجرد بيان تضامن، بل محاولة عاجلة لوقف مسار قد ينتهي بإزهاق روح امرأة مسنة، لم تحمل سلاحا، ولم تدعُ إلى عنف، بل رفعت لافتة.
محاكمة بلا عدالة
بحسب ما ورد في الرسالة، أُدينت زهراء طبري بالإعدام في أكتوبر الماضي عقب محاكمة وُصفت بالصورية، لم تستغرق الجلسة أكثر من عشر دقائق، وعُقدت عن بعد عبر تطبيق زووم، من دون حضور محاميها الذي اختارته بنفسها، لم تُمنح فرصة حقيقية للدفاع، ولم تُعرض أدلة ذات معنى، في مشهد يعكس، بحسب الموقعين، استخفافا صارخا بحقوق المتهمين وبمبادئ العدالة.
هذا النوع من المحاكمات، كما تشير منظمات حقوقية، بات نمطا متكررا في قضايا الناشطين السياسيين في إيران، حيث تتحول الإجراءات القضائية إلى وسيلة سريعة لإسكات الأصوات المعارضة، خصوصا عندما تكون هذه الأصوات نسائية.
لافتة تقود إلى المشنقة
السبب المباشر للحكم، وفق الرسالة، هو رفع زهراء طبري لافتة تحمل شعار "Jin Jiyan Azadî"، الذي يعني "المرأة الحياة الحرية"، هذا الشعار، الذي خرج من قلب الاحتجاجات النسائية في إيران، أصبح رمزا عالميا لمقاومة القمع والمطالبة بالكرامة الإنسانية.
أن تُواجه امرأة في هذا العمر حكما بالإعدام بسبب لافتة، اعتبره الموقعون دليلا على أن مساحة التعبير السلمي في إيران باتت شبه معدومة، وأن السلطة تتعامل مع الرموز والكلمات بوصفها تهديدا وجوديا.
في الداخل الإيراني، يلف الصمت قضية زهراء طبري. وسائل الإعلام الرسمية لم تتطرق إلى خبر الحكم، ولم يصدر أي تأكيد أو نفي رسمي بشأن مصيرها، وهذا الغياب للمعلومات، كما تقول منظمات حقوق الإنسان، يضاعف القلق، إذ يخشى أن يُنفذ الحكم فجأة، كما حدث في حالات سابقة، من دون إخطار العائلة أو المجتمع الدولي.
ويرى ناشطون أن الصمت الإعلامي ليس محايدا، بل جزء من سياسة تهدف إلى عزل السجناء السياسيين عن أي دعم شعبي أو دولي.
الأمم المتحدة تحذر
لم يقتصر القلق على المجتمع المدني، بل وصل إلى أروقة الأمم المتحدة، فقد أصدر 8 من الخبراء المستقلين في مجال حقوق الإنسان بيانا مشتركا دعوا فيه السلطات الإيرانية إلى الوقف الفوري لتنفيذ حكم الإعدام بحق زهراء طبري.
وأكد الخبراء أن إدانتها استندت فقط إلى لافتة ورسالة صوتية لم تُنشر، مشددين على أن هذه الوقائع لا تشكل جريمة خطيرة تبرر عقوبة الإعدام، وذكّروا بأن إيران صادقت على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي يقصر تطبيق الإعدام على أشد الجرائم خطورة، مثل القتل العمد.
وبحسب البيان، فإن قضية زهراء طبري تكشف عن انتهاكات جسيمة لإجراءات المحاكمة العادلة، ما يجعل أي تنفيذ للحكم بحقها إعداما تعسفيا بموجب القانون الدولي.
التضامن مع زهراء طبري تجاوز الإطار الحقوقي ليشمل شخصيات سياسية بارزة. فقد وقع رؤساء جمهورية سابقون في سويسرا والإكوادور، إلى جانب رؤساء وزراء سابقين في فنلندا وبيرو وبولندا وأوكرانيا، بيانا أكدوا فيه أن هذه القضية تعكس عقودا من القمع الذي تعرضت له النساء في إيران.
وأشار البيان إلى أن إيران تسجل اليوم أعلى معدل لإعدام النساء في العالم، وهو واقع اعتبره الموقعون دليلا على فشل عميق في حماية الحقوق الأساسية، وعلى استخدام عقوبة الإعدام كأداة سياسية للردع.
أرقام تروي حجم المأساة
منظمة حقوق الإنسان في إيران، ومقرها النرويج، أفادت بأن السلطات الإيرانية نفذت خلال العام الجاري أحكام الإعدام بحق أكثر من 40 امرأة، وهذا الرقم، بحسب المنظمة، يعكس تصاعدا مقلقا في استهداف النساء، سواء بسبب نشاطهن السياسي أو الاجتماعي، أو نتيجة محاكمات تفتقر إلى الضمانات القانونية.
وتحذر المنظمة من أن هذه الأرقام ليست سوى جزء من واقع أوسع، حيث تُستخدم عقوبة الإعدام لترهيب المجتمع، وكسر إرادة النساء اللواتي لعبن دورا محوريا في الاحتجاجات الأخيرة.
الرسالة المشتركة التي وقعها مئات النساء حملت تحذيرا واضحا. في إيران اليوم، كما جاء فيها، مجرد الجرأة على رفع لافتة تعبر عن مقاومة النساء للقمع قد تعني الموت.
وضمت قائمة الموقعين قضاة عاملين ودبلوماسيين وأعضاء برلمانات حاليين، من بينهم نانسي ميس، النائبة الجمهورية في الكونغرس الأمريكي، ما يعكس اتساع دائرة القلق الدولي.
وأكد الموقعون أن الصمت الدولي يمنح الضوء الأخضر لمزيد من الانتهاكات، داعين الحكومات إلى التحرك العاجل واستخدام أدوات الضغط الدبلوماسي والقانوني.
نداء لإنقاذ حياة
في ختام الرسالة، طالبت الشخصيات الموقعة بالإفراج الفوري عن زهراء طبري، ووقف جميع الإجراءات القضائية بحقها، كما دعت حكومات العالم إلى الوقوف إلى جانب نساء إيران في نضالهن من أجل الديمقراطية والمساواة والحرية.
بالنسبة لهؤلاء الموقعين، لا تمثل قضية زهراء طبري حالة فردية، بل اختبارا حقيقيا لمدى التزام المجتمع الدولي بحماية الحق في الحياة وحرية التعبير، وإنقاذ حياتها، كما يرون، ليس فقط إنقاذا لامرأة واحدة، بل رسالة أمل لكل النساء اللواتي يواجهن القمع بصوت عار وراية صغيرة.
تأتي قضية زهراء طبري في ظل تصاعد ملحوظ في استخدام عقوبة الإعدام في إيران خلال الأعوام الأخيرة، خصوصا بعد احتجاجات واسعة شهدتها البلاد منذ 2022، ورغم التزامات إيران الدولية، تؤكد منظمات حقوق الإنسان أن المحاكمات في القضايا السياسية غالبا ما تُجرى بسرعة ومن دون ضمانات، مع الاعتماد على اتهامات فضفاضة تتعلق بالأمن القومي.
وتعد النساء من أكثر الفئات تعرضا لهذه السياسات، حيث يُنظر إلى مشاركتهن في الاحتجاجات والتعبير العلني بوصفه تحديا مضاعفا للسلطة، وفي هذا السياق، أصبحت قضية زهراء طبري رمزا لمعركة أوسع بين القمع وحق الإنسان في الكلمة والحياة.










